حفظ القرآن الكريم شرف لكل مسلم ونبراس ينير طريقه بالحياة يهديه لما يحتاج إليه ويعطيه ما يسأل فهو كريم من عند كريم، وحافظ القرآن يتخلق بأخلاقه حتى دون قصد منه وترتوي روحه بمعانيه ومقاصده، فيُصلح في نفسه الكثير والكثير ويَجبر كسره بسلاسة ولطف بإذن اللطيف الجبار.
ولأن القرآن عزيز يُحب أن نعطي له اهتماماً خاصاً ووقتاً ثابتاً في يومنا يكون له وحده لا يشاركه فيه شيئاً ولا نلقي بالاً لغيره، لذا على حافظ القرآن أو الراغب في حفظه تحديد واتباع خطة محددة أو جدول حفظ القران المناسب لظروفه.
ومن المهم أن تدرك أنه ليس هناك عمر معين لحفظ القرآن فنبينا الكريم لم يُوحى إليه قبل الأربعين، وهناك العديد من القصص الحقيقية لحفظة القرآن الكريم كاملاً بعد سن الخمسين والستين، وايضاً ليس هناك مدة مقررة لحفظ القرآن فهناك من يحفظه في خمس أعوام وهناك من يحفظه في خمسة أشهر أو أقل، فالسر في الانتظام والإرادة والإقبال وقبل لك : الدعاء وسؤال الله سبحانه وتعالى أن ييسر لنا حفظه ويفتح علينا فيه، فما من شيء في الكون إلا ويحدث بإذنه وحده سبحانه.
من المؤكد إنك تحدث نفسك الآن وتتساءل عن خطوات عملية وخطة محددة لحفظ القرآن، لا عليك، سنفرد لك مجموعة من نماذج لحفظ القرآن محددة وعملية، ولكن قبل سرد جدول حفظ القران في مدد زمنية مختلفة أود أن أؤكد على بعض النقاط التي تُعد بمثابة أعمدة الأساس لتكون من الحُفاظ وتتوج أبويك بتاج الكرامة، والتي من غيرها لا يمكننا ولن يمكنك انت ايضاً تنفيذ ما في جدول حفظ القران والمضي قدماً في حفظه.
أعمدة الأساس لتكن من حفاظ القرآن الكريم
لطالما أكد علينا مشايخنا ومعلماتنا أن التوفيق من عند الله وحده وأن أول وأهم شيء يجب أن ندركه جيداً بأن أول خطوة في أي شيء وأي طريق تبدأ من صلتك بالله سبحانه وتعالى، وإدراك هذه الحقيقة وتكرارها دائماً على أنفسنا حتى لا نحيد عن الطريق، وأخيراً نتَقَوى في الطريق بالصحبة الصالحة؛ وعليه يمكننا تقسيم أعمدة الأساس لنيل شرف حفظ القرآن إلى ثلاثة أعمدة كما يلي:
1- أساس صلتك بالله
عمود الأساس الأول والأهم الذي سنبني عليه حفظنا للقرآن الكريم هو أساس روحاني مرتبط بصلتنا بالله سبحانه وتعالى وهو كالتالي:
أ. إخلاص النية في الحفظ لله، وفي تعدد النوايا خير كثير
ب. الاستعانة بالله وطلب التوفيق والفتح منه
ج. صدق العزيمة في الحفظ
د. تقوى الله والبعد عن الآثام والمعاصي
2- أساس صلتك بنفسك
الأساس الثاني لحفظ القرآن الكريم متعلق بصلتك بنفسك ومعرفتك بها وبالتعامل معها للوصول للهدف المنشود وهو كالتالي:
أ. تحديد هدف واضح من حفظك للقرآن الكريم ليكون دافعًا لك كلما فترت همتك
ب. معرفتك بقدرتك على الحفظ وجدول أعمالك لتحديد جدول حفظ القران الأنسب لك
ج. معرفتك بأكثر طريقة حفظ مناسبة لك وتحفظ بها سريعاً
د. قوة إرادتك وأخذك بالأسباب، كتحديد موعد حفظ ثابت والحفظ من مصحف محدد … وغيرها من الأسباب المعينة على الحفظ وتثبيته
3- أساس صلتك بالناس
نحن نعيش وسط الناس نتأثر بهم ونؤثر فيهم؛ هذه هي طبيعة الحياة ولذلك فإن صلتنا بالناس من حولنا مهمة ولها تأثير كبير على حياتنا وإنجازاتنا وإن كنا غير مدركين لهذه الحقيقة ولكن هي حقيقة، ففي حديث رواه أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”، لذا إذا أردت حفظ القرآن الكريم فلا تغفل عن التالي:
أ. الصحبة الصالحة التي إن لم تشاركك الخير لا تحبطك عنه.
ب. صحبة من الحفاظ تعينك وتعينها، تتسابقون سوياً في طريق الله ومن أجله
ج. الشيخ أو المعلم، لا تتخلى أبداً مهما كبرت ونضجت أن يكون لك شيخ مربي أو معلم في طريقك مع كتاب الله
جدول حفظ القرآن في خطوات عملية
وأخيراً وصلنا للخطوات العملية لوضع جدول لحفظ القرآن الكريم، ولقد حرصنا على طرح عدة نماذج لجداول على فترات زمنية مختلفة تختار منها ما يناسبك وايضاً نموذج يخبرك كيف تصيغ جدول الحفظ الخاص بك بنفسك.
كما هو معروف لنا جميعاً فإن القرآن الكريم مقسم إلى 30 جزءاً، والجزء مقسم إلى حزبين، والحزب عبارة عن 10 صفحات، وبالتالي نصف الحزب هو 5 صفحات، ربع الحزب هو صفحتين ونصف، وأخيراً ثمن الحزب هو صفحة وربع وتلك هي التقسيمات التي سنعتمد عليها في جداول الحفظ الآتية
أ- جدول حفظ القرآن في 100 يوم
تعتر الـ 100 يوم هي أقل مدة متعارف عليها لحفظ القرآن الكريم كاملاً، فطبقاً لكتاب “الحفظ الميسر للقرآن المذكر” يمكننا اتباع جدول مبسط لحفظ القرآن كاملاً في ثلاثة أشهر وعشر أيام، ويعتمد مؤلف الكتاب في جدول حفظ القران في 100 يوم على التدرج في الحفظ كما يلي:
- العشر أيام الأولى من الجدول:
الهدف: حفظ حزب وثمن حزب
هنا نقوم بحفظ ثمن حزب يومياً -أي حوالي صفحة وربع- كل يوم لمدة تسعة أيام واليوم العاشر هو يوم المراجعة فنراجع فيه على التسع أثمان جميعاً -اي نراجع حوالي 11 صفحة وربع-
- العشر أيام الثانية من الجدول:
الهدف: حفظ حزبين وربع حزب
في ثاني 10 أيام يزيد معنا مقدار الحفظ فنقوم بحفظ ثمنين الحزب -أي ربع الحزب- كل يوم لمدة تسعة أيام وفي اليوم العاشر نراجع على كل ما تم حفظه خلال ثاني 10 أيام من جدول حفظ القران في 100 يوم.
- العشر أيام الثالثة من الجدول:
الهدف: حفظ 3 أحزاب و3 أثمان حزب
مازلنا مستمرين في زيادة مقدار الحفظ ففي ثالث 10 أيام من الجدول نقوم بحفظ 3 أثمان من الحزب -حوالي 4 صفحات إلا ربع صفحة- كل يوم لمدة تسعة أيام وفي اليوم العاشر كما اعتدنا نراجع على كل ما تم حفظه خلال العشر أيام الثالثة من جدول حفظ القران في 100 يوم.
هنا ومع إنتهاء الشهر الأول نكون قد حفظنا 3 أجزاء وثلاثة أرباع الحزب
- العشر أيام الرابعة من جدول حفظ القران في 100 يوم:
الهدف: حفظ 4 أحزاب ونصف حزب
بنفس مقدار الزيادة في الحفظ نقوم بزيادة ثمن حزب يومياً، أي نقوم بحفظ 4 أثمان الحزب أي نصف الحزب -5 صفحات- يومياً لمدة تسعة أيام وفي اليوم العاشر نراجع على كل ما تم حفظه خلال آخر تسع أيام من جدول حفظ القران في 100 يوم.
- العشر أيام الخامسة من الجدول:
الهدف: حفظ 5 أحزاب و نصف تقريباً
وهنا ستكون آخر زيادة في مقدار الحفظ، فسنقوم بحفظ 5 أثمان الحزب -حوالي 6 صفحات وربع الصفحة- كل يوم لمدة تسعة أيام وفي اليوم العاشر نراجع على كل ما تم حفظه حتى الآن خلال آخر تسع أيام من جدول حفظ القران في 100 يوم.
- العشر أيام السادسة من الجدول:
الهدف: حفظ 5 أحزاب و نصف تقريباً
نقوم بحفظ 5 أثمان الحزب -حوالي 6 صفحات وربع الصفحة- كل يوم لمدة تسعة أيام وفي اليوم العاشر نراجع على كل ما تم حفظه حتى الآن خلال خلال التسع أيام التي تسبقه من جدول حفظ القران في 100 يوم.
وهنا قد وصلنا لنهاية الشهر الثاني من الجدول واتممنا حفظ حوالي 15 جزء أي مبارك عليك حفظ نصف القرآن الكريم.
- الأربعين يوم الباقين من جدول حفظ القران في 100 يوم
في تلك المدة المتبقية من جدولنا نستمر على نفس المنوال حتى نهاية الـ 100 يوم أي نحفظ 5 أثمان الحزب يومياً حتى اليوم العاشر نراجع فيه ما تم حفظه خلال التسع أيام التي تسبقه اي 45 ثمن للحزب، حتى نتم القرآن الكريم كاملاً.
ب- جدول حفظ القران في 6 شهور
قد يشق على البعض الحفظ طبقاً لجدول حفظ القران في 100 يوم وقد يفضلون زيادة مدة الحفظ بما يناسب ظروفهم وقدراتهم على الحفظ أو ربما ليتوافر لديهم المزيد من الوقت للمراجعة وتثبيت الحفظ، من خلال الخطوات التالية يمكننا توضيح جدول حفظ القران في 6 شهور، وفي هذا الجدول سيكون مقدار الحفظ متساوي من اول يوم لآخر يوم وهدفنا سيكون اسبوعي بحيث نقوم بحفظ 24 وجه -حزبين ونصف الحزب تقريباً-.
- الأسبوع الأول من جدول حفظ القران في 6 شهور
هنا سنقوم بحفظ 4 أوجه يومياً لمدة 6 أيام ومراجعة كل ما تم حفظه وهو 24 وجه في اليوم السابع، وبذلك نكون قد حفظنا ما يزيد عن جزء وراجعناه في خلال أسبوع واحد فقط.
- الأسبوع الثاني من جدول حفظ القران في 6 شهور
وفي الأسبوع الثاني نفعل نفس الشيء؛ نقوم بحفظ 4 أوجه يومياً لمدة 6 أيام ومراجعة كل ما تم حفظه وهو 24 وجه جديد في اليوم السابع.
- الأسبوع الثالث والرابع من جدول حفظ القران في 6 شهور
وكذلك في الاسبوع الثالث والرابع نقوم في كلاً منهم بحفظ 4 أوجه يومياً لمدة 6 أيام ومراجعة كل ما تم حفظه وهو 24 وجه جديد في اليوم السابع، وبذلك نكون قد حفظنا ما يزيد عن جزء وراجعناه في خلال أسبوع واحد فقط.
هنا ومع إنتهاء الشهر الأول نكون قد حفظنا ما يقرب من 5 أجزاء.
وكذلك الشهر الثاني والثالث وحتى الشهر السادس من الجدول يكون هدفنا حفظ 5 أجزاء في الشهر بالطريقة المذكورة أعلاه، ومع نهاية الشهر السادس نبارك عليكم حفظ كتاب الله كاملاً.
ج- جدول حفظ القران في سنة
وبالطبع بما أن مدة الحفظ اكبر فسيقل مقدار الحفظ اليومي عن الجدولين السابقين وتزيد عدد أيام المراجعة والتثبيت لما تم حفظه
- الأسبوع الأول من جدول حفظ القران في سنة
هدفنا هنا يكون حفظ وجهين يومياً ولمدة 6 أيام وفي اليوم السابع نقوم بمراجعة كل ما تم حفظه وهو 12 وجه.
- الأسبوع الثاني من جدول حفظ القران في سنة
نقوم بحفظ وجهين يومياً ولمدة 6 أيام وفي اليوم السابع نقوم بمراجعة كل ما تم حفظه وهو 12 وجه.
- الأسبوع الثالث والرابع من جدول حفظ القران في سنة
وكذلك في الاسبوع الثالث والرابع نحفظ في كلاً منهما وجهين يومياً ولمدة 6 أيام وفي اليوم السابع نقوم بمراجعة كل ما تم حفظه وهو 12 وجه.
هنا ومع إنتهاء الشهر الأول نكون قد حفظنا ما يقرب من جزئين ونصف.
وكذلك الشهر الثاني والثالث وحتى نهاية العام نستمر على ذات المنوال من الجدول وهو حفظ جزئين ونصف شهرياً مع مراجعتهم بالطريقة المذكورة أعلاه، ومع نهاية العام نكون قد وصلنا لأعظم أهدافنا وهو حفظ القرآن الكريم عن ظهر غيب.
ضع جدولك الخاص لحفظ القرآن الكريم
لا يشترط حفظ القرآن في المدد الزمنية المذكورة أعلاه، بل يمكنك حفظه في المدة التي تناسب احتياجاتك وظروفك فسيدنا عمر بن الخطاب حفظ البقرة في ثماني أعوام وغيره من الصحابة من كانوا يتبعوا منهج آخر للحفظ وهو العمل بالآيات المحفوظة أولاً بأول ثم حفظ الجديد مما يترتب عليه حفظ القرآن في سنين، وعليه يمكنك تفصيل جدولك الخاص لحفظ القرآن، فيمكنك وضع جدول حفظ القران في سنتين أو حتى جدول حفظ القران في شهرين، ويمكنك اتباع الاسس التالية لوضع خطتك الشخصية:
- تحديد المدة الزمنية التي تريد إنهاء حفظ القرآن كاملاً بها، أو تحديد عدد الأوجه التي يمكنك حفظها باليوم الواحد وعليه تحدد المدة التي تلزمك لحفظ القرآن كاملاً.
- تحديد مواعيد ثابتة للحفظ يومياً، فمن الضروري أن تكون عادة الحفظ وتجعل لها وقت ثابت كل يوم دون إجازات، فقليل دائم خير من كثير منقطع.
- وضع مواعيد ثابتة للمراجعة، فحسب المشايخ والمعلمين فتثبيت الحفظ ومراجعته أكثر أهمية من حفظ الجديد.
- معرفة تقسيمات المصحف الأساسية فسيساعدك ذلك في وضع الخطة، وهي أن القرآن 30 جزءاً، والجزء مقسم إلى حزبين، والحزب عبارة عن 10 صفحات، وبالتالي نصف الحزب هو 5 صفحات، ربع الحزب هو صفحتين ونصف، وأخيراً ثمن الحزب هو صفحة وربع.
هل هناك طرق تعينني على تثبيت الحفظ بدون نسيان؟
من جرب حفظ القرآن الكريم يعلم جيداً سرعة وسهولة نسيانه إذا ابتعدنا عنه فترة، لذلك فبجانب أيام المراجعة المذكورة في كل جدول هناك مجموعة من النصائح نحب أن نتطرق لها تساعدك على حفظ القرآن الكريم بسهولة وبدون نسيان إن شاء الله تعالى.
- تحديد مواعيد ثابتة للحفظ ومواعيد للمراجعة، ويفضل مراجعة الحفظ السابق قبل حفظ اليوم الجديد في موعد واحد، ومع التقدم في الحفظ نحدد ميعاد آخر لمراجعة الحفظ القديم -الأجزاء القديمة- بإستمرار، ومن أفضل الأوقات للحفظ والمراجعة قبل وبعد صلاة الفجر، أو بين صلاة المغرب وصلاة العشاء، وبالتأكيد لك أن تحدد الأوقات الأنسب لجدولك شريطة أن يكون ذهنك حاضراً وصافياً.
- تخصيص مصحف واحد للحفظ والمراجعة أو على الأقل الحفظ من مصحف بذات الطبعة.
- تكون خطواتنا في جلسة الحفظ كالتالي:
– الاستماع إلى ورد الحفظ من قاريء مجود -نقترح الحصري- مرتين أو أكثر بتركيز.
– تلاوة ورد الحفظ من 15 مرة وحتى 100 مرة حسب قدرتك وسرعتك في الحفظ.
– تسميع وِرد الحفظ 3 مرات على الأقل. - وهذه خطوة مجربة من الكثيرين وهي الصلاة بما حفظت وخاصة قيام الليل، فتلك الخطوة من اكثر المعينات على تثبيت الحفظ، وإذا وجدت نفسك قد نسيت آية أو تلعثمت في طريقة النطق بالتجويد يمكنك المراجعة بنظرة سريعة بعد القيام من الصلاة.
ختامًا، يُعتبر حفظ القرآن الكريم من أعظم الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم، فهو مصدر للهداية والنور ووسيلة للتقرب من الله عز وجل. إن وضع جدول لحفظ القرآن يساهم بشكل كبير في تنظيم هذه العملية المباركة، حيث يُساعد في توزيع الجهد وتحديد الأهداف اليومية بوضوح. بتصميم جدول مناسب، يمكن لكل فرد أن يسير بخطوات ثابتة نحو تحقيق هذا الهدف السامي. لذا، دعونا نُخصص من وقتنا وجهدنا لنكون من حفظة القرآن الكريم، متسلحين بالصبر والمثابرة، ومستعينين بالله تعالى، سائلين إياه أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، ولا تنسى إخلاص وصدق النية والاستعانة بالله على الحفظ فهما الأساس المتين الذي يُبنى عليه جهدنا ومن غيره يسهل التيه في الطريق.