“لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام الله”
هذه الكلمة التي قالها عثمان بن عفان رضي الله عنه، من شدة تعلقه بالقرآن وتمسّكه به
قراءة القرآن، و تعلمه وحفظه أحد أبرز اهتمامات المسلم، لكنه قد يقع في حيرة وتساؤل:
من أين أبدأ؟ وما مسار التعلم المناسب لي؟
هل أبدأ من تصحيح التلاوة والقراءة بتجويد سليم؟
أم أبدأ في رحلة حفظ القرآن الكريم ؟
ومالفرق بينهما؟
تصحيح تلاوة القرآن الكريم
في حديث النبي ﷺ: ” الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ ، والذي يقرؤُهُ ويتَعْتَعُ فيهِ وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجرانِ”
أخرجه البخاري
ما معنى يتتعتع؟ هل يعني أنه يُخطئ؟
يتتعتع يعني: يشق عليه أن يخرج الكلمة والحروف فيتهجاها حتى يقرأها. فهو له أجران، قال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: وأما الذي يتلوه، ويتتعتع فيه وهو عليه شاق، فله أجران، إذن تالي القرآن ليس بخاسر مهما كان.
فهل هذا يعني أن لمن يخطئ في التلاوة أجران؟ إذا كان قادرًا على تعلم القراءة الصحيحة لكنه تعمّد ترك التعلم فهو آثم. والذي يحاول أن يقرأ ويتعلم ويتدارس القراءة الصحيحة مع شيخٍ، سيصبح – بإذن الله – ماهرًا بالقرآن.
“الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة”
الماهر بالقرآن، أي : لا يتوقف ولا تشق عليه القراءة؛ لجودة حفظه وإتقانه؛ فمنزلته مع السفرة الكرام البررة، وهم الرسل، فيكون رفيقا لهم في منازلهم. أو المراد الملائكة المكرمون المقربون عند الله تعالى؛ لعصمتهم ونزاهتهم عن دنس المعصية والمخالفة، والبررة جمع البار، وهم المطيعون.
حكم قراءة القرآن بأخطاء:
جاء في “الموسوعة الفقهية” ” القرآن كلام الله المعجز المنزل على رسول الله ﷺ المنقول بالتواتر.
فيحرم تعمد اللحن فيه، سواء أغير المعنى أم لم يغير، لأن ألفاظه توقيفية، نُقلت إلينا بالتواتر، فلا يجوز تغيير لفظ منه بتغيير الإعراب، أو بتغيير حروفه بوضع حرف مكان آخر”
وقد وصى الشيخ ابن باز -رحمه الله- عندما سُئل عن قراءة القرآن مع وجود الأخطاء، فأجاب: ” نوصيك بالاستمرار في القراءة ليلاً ونهاراً والاجتهاد، وأن تقرأ على من هو أعرف منك وأعلم منك حتى يعلمك وحتى يرشدك إلى ما تخطئ فيه”
يجب على المسلم تعلم مخارج الحروف عند قراءة القرآن وأن يحرص تمام الحرص على أن تصحَّ قراءته للقرآن الكريم كما أُنزل على رسول الله ﷺ. لأن الخطأ قد يُغير المعنى، ويُحرف المقصود من الآيات وأحكامها.
مثال ذلك، في قول الله تعالى في سورة البقرة: ” أمْ كُنتُم شُهداءَ إذ حضِرَ يعقوبَ الموتُ” ، القراءة الصحيحة هي بنصب ( يعقوب) لأنها في محل مفعول به، ورفع ( الموتُ) فالموت هو الذي يحضر يعقوب، البعض قد يُخطئ في قراءتها فيقرأ ( يعقوب ) بالضمّ ، وهنا يختلف المعنى فيُصبح كأن يعقوب هو الذي يحضر إلى الموت. وهذا خطأ في الحركة غير المعنى!
والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا.
فنستنتج أن تصحيحك لتلاوتك واجبٌ، وخطوتك الأولى في ذلك أن تقرأ على يدِ مُعلم أو قارئ مُتقن.
(حمل تطبيق مدكر الآن وابدأ بتصحيح سورة الفاتحة)
أهمية حفظ القرآن الكريم
أما حفظ القرآن الكريم فهو من أفضل القربات، ويستحب للمسلم حفظ ما تيسر له.
حكم حفظ القرآن الكريم، ومزايا يتميز بها حافظ القرآن:
إن حفظ القرآن الكريم عبادة يبتغي به صاحبه وجه الله والثواب في الآخرة، يجب على حافظ القرآن أن لا يقصد بحفظه منافع دنيوية، بل يحتسب الأجر ويصرف نيته لله سبحانه وتعالى.
اختصَّ الله تعالى حافظ القرآن بخصائص في الدنيا وفي الآخرة
منزلة حافظ القرآن في الدنيا:
1- يُقدَّم على غيره في الصلاة إماماً .
عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله ﷺ: ” يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ” رواه مسلم
2- يقدَّم على غيره في القبر في جهة القبلة إذا اضطُر لدفنه مع غيره.
كان النَّبي يجمع بين الرجلين من قتلى ” أحد ” في ثوب واحد ثم يقول : “أيهم أكثر أخذاً للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد” رواه البخاري
منزلة حافظ القرآن في الآخرة:
1- ترتفع منزلته في الآخرة حتى يكون عند آخر آية وصل إليها من حفظ القرآن الكريم.
عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال : ” يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها ” رواه الترمذي
2- رفيقًا للملائكة في منازلهم.
قال رسول الله ﷺ : “الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ” رواه البخاري
3- القرآن يشفع صاحبه عند ربه.
عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :”اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه”
4- صاحب القرآن يشفع لوالديه
قال رسول الله ﷺ : ” من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس ، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان : بم كسينا هذا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن ” . رواه الحاكم
ما هو الأفضل تلاوة أم حفظ القرآن الكريم؟
سئُل الشيخ الدكتور خالد المصلح عن المفاضلة بين الحفظ والتلاوة، فأجاب:
“الأفضل هو حفظه، ثم تثبيته وتعاهده بالمراجعة، فالحفظ يقتضي المراجعة، والمراجعة تقتضي التلاوة، وبالتالي أعلى المراتب وأجمعها الحفظ؛ لأنه سيجمع بين الحفظ والتلاوة،
وإذا كان لا يستطيع أن يحفظ إلا قدرًا يسيرًا، فليحرص على مراجعة حفظه، وليقرأ من بقية المصحف ما يسر الله له، والقرآن كله مبارك”
يحتاج الحافظ لمن يُعينه بعد الله على حفظ القرآن الكريم وإتقانه، مثل صاحبٍ له أو معلم (راجع حفظك مع معلم ماهر الآن )
بركة القرآن شاملة، لمن قرأ ولمن حفظ، المهم أن يكون القرآن صاحبك ورفيقك في أوقاتك.
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وذهاب همومنا.