الفلاح كل الفلاح، والسعادة كل السعادة في حياة مَن لازم القرآن في يومه، وجعل له وِردًا لا يتركه أبدًا، سواءً كان ورد تلاوة ورد حفظ أم ورد مراجعة، ومَن وفّقه الله لحفظه وتلاوته، والعمل به، والتخلّق بأخلاق حملة القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته.
أهل القرآن.. هم أهل الله!
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: “لله من الناس أهلون، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته”. أخرجه ابن ماجه.
وعن عبدالله بن عمرو، عن النبي ﷺ قال: “يُقال لصاحب القرآن اقرأ وأرتقِ، ورتِّل كما كنتَ تُرتِّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها”. أخرجه الترمذي.
قال الإمام الآجري -رحمه الله تعالى- عن قارئ القرآن: فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن كالمرآة يرى بها ما حسُن من فِعله، وما قبُح منه، فما حذّره مولاه حذره، وما خوّفه به من عقابه خافه، وما رغّبه فيه مولاه رغِبَ به ورَجَاه. فمن كانت هذه صفته أو ما قارب هذه الصفة، فقد تلاه حقّ تلاوته، ورعاه حق رعايته.
أخلاق حامل القرآن الكريم: في نفسه
قال الإمام الآجري -رحمه الله تعالى- في كتابه أخلاق حملة القرآن: فينبغي لمن علّمه الله القرآن وفضّله على غيره، وأحبّ أن يكون من أهل القرآن وأهل الله وخاصته، أن يجعل القرآن ربيعًا لقلبه، يعمُرُ به ما خَرِبَ من قلبه، ويتأدّب بآداب القرآن، ويتخلّق بأخلاق شريفة، يبين بها عن سائر الناس ممّن لا يقرأ القرآن. ومن هذه الأخلاق:
١) تقوى الله في السر والعلانية باستعمال الورع في مطعمه ومشربه، وملبسه، ومكسبه، مُقبلًا على شأنه مهمومًا بإصلاح ما فسد من أمره، حافظًا للسانه، مُميّزًا لكلامه، إن تكلم تكلم بعلم إذا رأى الكلام صوابًا، وإن سكتَ سكت بعلم إذا كان السكوت صوابًا، قليل الخوض فيما لا يعنيه، يخاف من لسانه أشدّ ممّا يخاف من عدوه، يحبس لسانه كحبسه عدوه، ليأمن شرّه وسُوء عاقبته.
٢) قد جعل القرآن والسُّنَّة والفقه دليله إلى كل خُلُق حسن جميل حافظًا لجميع جوارحه عمَّا نُهي عنه، يجتهد ليسلم الناس من لسانه ويده، ولا يجهل، وإن جُهِل عليه حَلُم ولا يظلم، وإن ظُلم عَفَا، ولا يبغي على أحد، وإن بُغي عليه صبر.
3) يطلب الرفعة من الله عزّ وجل لا من المخلوقين، ماقتٌ للكِبر خائفًا على نفسه منه، لا يتأكّل بالقرآن، ولا يحبُّ أن تُقضى له الحوائج، ولا يُجالس الأغنياء ليكرموه.
أخلاق حامل القرآن الكريم: مع والديه والمجالسين له
١) يُلزم نفسه برّ والديه، فيخفض لهما جناحه، ويخفض لصوتهما صوته، ويبذل لهما ماله، وينظر إليهما بعين الوقار والرحمة.
٢) يصل الرحم، ويكره القطيعة، من قطعه لم يقطعه، من عصى الله فيه أطاع الله فيه. رفيق في أموره، صبور على تعليم الخير، يأنس به المتعلّم، ويفرح به المجالس، ومُجالسته تُفيد خيرًا.
٣) إن أُصيب بمُصيبة، فالقرآن والسنة له مؤدبان، قد أدّبه القرآن والسنة، يتصفّح ليؤدب به نفسه، ولا يرضى من نفسه أن يُؤدي ما فرض الله عليه بجهل، قد جعل العلم والفقه دليله إلى كل خير.
٤) إن كسبَ الناس من الدنيا الكثير بلا فقه ولا بصيرة، كسِبَ هو القليل بفقه وعلم، إن لبِسَ الناس اللين الفاخر لبِسَ هو من الحلال ما يستر عورته، إن وُسِّع عليه وسَّع، وإن أُمسكَ عليه أمسك، يقنع بالقليل فيكفيه، ويحذر على نفسه من الدنيا ما يُطغيه.
فينبغي لقارئ القرآن والحريص على قراءة ورده، أو مراجعة محفوظه يحتسب الأجر عند الله عزّ وجل، ولا يهذّه هذّ الشعر، بل ويقف عند عجائبه، ويلتزم الدعاء بين يدي ربه القريب المجيب أن يتحرّك به قلبه ويرقّ عند ألفاظه وأوصافه، وأن يجعله من العاملين به، ويجعل القرآن شفيعه يوم القيامة.